تاريخ الصيد بالصقور و آدابه بقلم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه الله"
السلام عليكم و رحمة الله و بركااته
-ـ"تاريخ الصيد بالصقور و آدابه"بقلم صاحب السمو الشيخ زايد "رحمه الله" "ـ-
"" استطاع أهل الباديه منذ ايام جاهليتهم الاولى ترويض الطير ...و ان يسخروه لمنفعتهم فسلطوا بعضه على بعض, و ضربوا ضعيفه بقويه و قنصوا غبيه بذكيه و جنوا ثمرات ذلك متاعا لهم و لمن يعولون و لم يكن الصيد عند اهل الجاهليه وسيله من وسائل الرزق فحسب , و انما كان متعه من متع النفس , و ضربا من ضروب الحرب ايام السلم .. وهم اشد ما يكونون حاجة للرزق و المتعه و التدريب الدائم على القتال لذلك و اقبلو عليه اقبالا كبيرا .
و كانت العرب تعلي من شان القنص...و تمدح الرجال باكله من صيد يده و تعتبر ذلك ايه على انفته , و علامة على زهادته بما في ايدي الناس . و كان الصائد منهم يعود على اهله حيه بلحم صيده . و يجد في ذلك محالا من مجالات الفخر .
و هذا ما يحدث في الباديه .. فالقانص يوصف دائما بيننا بالزهد و هو حينما يذهب لرحلة صيد يجد في ذالك مفاخره لاهله و عشيرته بل انه يظل ينتظر يوم الرحيل بفارغ الصبر ...و يكون حماسه لهذه الرحله مشهودا له من الجميع ... و هو حينما يعود غانما بالطرائد يجد في ذلك كثيرا من الزهد بين الرفاق و اهل عشيرته .
و ليش لمدع ان يقول ان رياضه الصيد بالصقور باب من ابواب الترف في الدول يلهو فيه بعض ملوكهم و كبرائهم كما ان يلهم ارباب البطاله و الغنى , و صيد البر و البحر مما يدفع الملل عن النفس و يورث من يعانيه صبرا و يعلمه التحايل على الخصم كانه في ساحه حرب .
و لم يقتصر الصيد عند العرب على المتحاجين و الفقراء و انما ممارسه الملوك و الاغنياء , و كان ابناء العرب من الملوك يفخرون بالصيد و اكل لحمه .. و كان العرب اول من درب الصقور و صاد بها .
حيث اجمع الباحثون في كتب البيزره على ان اول من صاد بالصقور و دربه هو "الحارث بن معاويه بن ثور بن كنده" و سبب ذلك انه وقف في يوم عند صياد ينصب شبكه للعصافير فانقص صقر على عصفور علق في الشبكه و اخذ ياكله ... و ما لبث ان علق جناحاه بها ... و الحارث ينظر اليه و يعجب من فعله .. فامر به ... فحمله ووضعه في البيت و اوكل به من يطعمه و يعلمه الصيد ... فصار يحمله على يده , و ذات يوم و هو سائر راى الصقر حمامه فطار عن يده اليها و اخذ اكلها ...فامر الحارث عند ذلك بتدريبه و تهذيبه و الصيد به , بينما هو يسير يوما لاحت له ارنب فطار الصقر اليها و اخذه , فلما رآه يصيد الارنب و الطير ازداد به اعجابا و بعدها عرف العرب الصقر ... و انتشر بين الناس .
و من اشهر من صاد بالقور في فجر الاسلام ..."حمزه بن عبد المطلب رضوان الله عليه",و كان من النجد على ما خصه الله عز وجل به , حتى قيل له اسد الله .
و كان اسلامه عند منصرفه من الصيد , على يد الصقر .
و جاء في الحديث ان حمزه كان صاحب قنص , فرجع يوما من صيده فقالت له امراه , كانت رات ما نال رسول االه صلى الله عليه و سلم من اذى ابي جهل .. يا ابا عمارة .. لو رايت ما صنع ابو الحكم اليوم بابن اخيك , فمضى على حاله و هو معلق قوسه في عنقه , حتى دخل المسجد فلقي ابا جهل فعلا راسه بقوسه فجشه ثم قال حمزه...ديني دين محمد اشهد انه رسول الله صلي الله عليه و سلم .
و لكا جاء الاسلام برسالته الشامله لشؤون العقيده و الحياة و اخذ العرب يبنون حياتهم الجديده هلى اسسه و تعليمه , و يحكمون بشريعته في جميع ما ياتون و ما يذرون و لم يكن بدعا ان يسالوا رسول الله ... صلوات الله عليه عن حلال الصيد و حرمته وان يقفوا على الاسلام من هذا الامر الحيوي و المهم و هم الذين جعلوا يتحرجون من كل م كان في الجاهليه خشية ان يكون للاسلام منه موقف آخر... غير ما الفوه و ما تعاملوا به فقد روي ان زيد الخير و عدي بن حاتم سألا النبي صلوات الله عليه فقالا انا نصيد بالكلاب و البزاة و قد حرم الله تعالى الميته ... فماذا يحل لنا منها ؟
فنزل قوله تعالى "يسالونك ماذا احل لهم قل احل لكم كل الطيبات و ما علمتهم من الجوارح مكلبين تعلونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليه عليه و اذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب "
و كان من ثمرات ما جاء في القرآن الكريم وما اورده الرسول العظيم و ما دار حول ذلك من تفسير المفسرين و اجتهاد المجتهدين تشريع كامل شامل عالج موضوع الصيد من جوانيه كلها ... فتناول الحيوانات الصائده من حيث وجوب تذكرها و عدمه ... كما عرض للصائد من حيث حكم تسميتها عند اطلاق الجارح و اما الى ذلك من التفضيلات و التفريعات التي احاطت بعملية الصيد كلها سواء كانت جارحه او بغير من ادوات الصيد على وجه تبرز فيه دقة التشريع الاسلامي و روعته .
و اما الحيوانات فقد اشار اليها سبحانه بقوله "وما علمتم من الجوارح " و المراد من "الجارح"من يجرح بنابه او مخلبه فيكون مشتقا من الجرح ... المعتبر من الجوارح ... فيكون العقاب و البازي و الصقر و الشاهين و الكلب بجميع انواع الوانه .
و لا ياكل صيد الجوارح الا اذا كانت معلمه ... و ذلك اخذا من قوله جل شانه "و علمتم من الجوارح مكلبين " و المعنى "معلمين الصيد" اما الجوارح من الطير فآية تعلمها ان تسترسل اذا ارسلتها ... و ان تجيبك اذا دعوتها .. و لا يشترط في حل صيدها الامتناع عن اكل الطريده كما هو الشأن بالنسبه الى الكلب و غيره .
و قيل في تعليل ذلك ان تاديب سباع الطير الى حد ترك الاكل متعذر... و لان آية التعلم تبدو مفي ترك ما هو عادة ثم ان الطير .... متوحش نفور لذا كانت اجابته عن الدعاء علامه كافية على تعليمه ... و اما الكلب فهو مالوف بطبعه ... يجيبك اذا دعوته لكنه معتاد على انتهاك فريسته و الاكل منها ... لذا كان تركه للاكل آية تعلمه .
اما الحيوانات المصيده . فمنها ما يحرم و منها ما يحل اكله ..فيحرم من الطير كل ذي مخلب يصطاد به ... كالصقر و العقاب و الشاهين و النسر و غسرها........
اما الذي له مخلب لا يطاد به كالحمام فانه يحل اكل و يحرم اكل كل ذي نااب من الشباع البهائم يسطو به على غيره .. كالاسد و النمر و الفيل و القرد و الفهد و غيرها.........
اما الذي له ناب لا يسطو به على غيره ....كالجمل فانه يحل اكله و يشترط لحل الطريده اللتي يقتلها الجارح في اثناء الصيد ان تجرح و عند ذلك يقووم بجرحها ..مقام الذبح.
اما الطريده التي تقع في يد الصياد حيه فلابد من تذكيتها فإذا ماتت قبل الذبح حراام اكلها و احل و اطيب الزكاه احسنها ما جاؤ على وفق قول الرسول صلى الله عليه و سلم ""فإذا قتلتم فاحسنوا القتله و إذا ذبحتم و ليحد احدكم شفرته و ليرح ذبيحته"
اما الصائد نفسه فانه يجب ان يسمي عند ارسال الجارح فان ارسله و لو يسم عامدا فالصيد ميته يحرم اكلها ..... هذه بحض احكام الصيد في الفقه الاسلامي .
اما نظرة الاسلام الى الصيد فتقوم على انه وسيله مشروعه من وسائل كسب العيش .
و كانت لدى العرب في الجاهليه آداب للصيد يتادبون و تقاليد يرعونها ثم جاء الاسلام بدينه العظيم فاضاف الى هذه الآداب ما هو اكرم للانسان الصائد و ارحم للحيوان المصيد .. غير ان العرب لم يقتصروا على ما ورثوه عن ايائهم و ما اخذوه عن نبيهم من آداب الصيد ... انما نظروا الى تقاليد الصيد و آدابه عن الامم الاخرى ... ضموه الى ما عندهم فكان لهم من ثمرات ذلك طائفه من الآداب ... بعضها جاهلي ... و بعضها اسلامي.
و كان من اقدم هذه الاداب الكف عن صيد الحيوانات التي تلجأ اليهم بسبب شدة الجوع او حدة العطش او شدة البرد , فكانها عاذت بهم ....وليس من المروءة ان ينال عائذ السوء .
و من آداب الصيد الكريمه عند العرب ان يكون سبيله الطراد و المنازله و الظفر بعد الطلب و الجهد لذا يعاااب عن الصائدين المتأدبين بأداب الصيد فعله "من عجز عن رمي الطير بسهاما مخدره و مهوسه حتى اذا تناولتها جرت فيها مجرى الدم و قطعتها عند الحراك , و طال بذلك تعذيبها فيظرب بذلك ذو الجناح الاضطراب الشديد و ينقلب ذو القائمه و ترخص اعظامه فيكون قد قتل قتلا ".
ومن آداب الصيد تهادي لحمه بذله للطاعمين و جمع الصحاب و الاتراب على قديره او شوائه ...قد كان الصائدون يفخرون بذلك ..فامرؤ القيس ابو النجم العجلي و الشمردل ليربوعي ذكروا هذا المعنى في شعرهم و افتخروا به .
و كان "الاشراف يتهادون القطعه اليسيره من لحم الصيد لاقيمه لها" و يجدون في ذلك متعه و مسره.
و من آداب الصيد ان تختار له الايام القائمه لتي لا تمطر فيها وذلك ان الطرائد افره و ما تكون في يوم الغنيم.
و ان الطرائد اشغل ما تكون في هذه الايام بطلب المراعي المداومه عليه ... و في اشتغال الطريده فرصه لصيد الضواري.
و قد كانت الملوك تقسم ايامها ..فتجعل يوم الغيم للصيد و من آداب الصيد التي جاء بها الاسلام و اخذ المسلمون انفسهم بها ..عدم تعذيب الطريده و الاحسان اليها .
و من آداب الصيد ايضا ان يتنااول القانص قبل ركوبه الى الصيد ما يصلح له من طعام خفيف و شراب مباح ... الا يملأ معدته ليكون اخف حركة و اقدر على الصيد و انشط له ..."
|